الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإن لعن عصاة المسلمين؛ من المسائل التي تخفى على كثير من المسلمين؛ وقد حرر العلماء بأن اللعن لا يكون إلا على جهة الاطلاق، أما على جهة التعيين؛ فهو وإن حصل فيه خلاف بين أهل العلم فالراجح من أقوالهم التي تعضدها الأدلة هو حرمة لعن المعين من عصاة المسلمين.
وكل هذا نستدل منه على حرمة أعراض المسلمين فكيف بدمائهم التي خاض فيها من لا يتق فيهم رباً ولا ديناً ولا عرفاً.
وهذا البحث الذي بين أيدينا هو خلاصة تلك المسألة المشار إليها آنفاً، كتبها الأستاذ الدكتور: سليمان الغصن حفظه الله وسدده، ومما قاله في ذلك:
اختلف العلماء - رحمهم الله - في حكم لعن المعين من فساق المسلمين على ثلاثة أقوال:
فمنهم من أجازه بإطلاق.
ومنهم من أجازه في بعض الأحوال.
ومنهم من منعه بإطلاق أو امتنع منه وإن لم يصرح بتحريمه.
قال شيخ الإسلام: "فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال:
أحدها: المنع عموماً وتعييناً إلا برواية النص.
والثاني: إجازتها.
والثالث: التفريق وهو المنصوص"([i]). ويقصد بالتفريق أي إجازة اللعن على سبيل العموم ومنعه على سبيل التعيين.
وقال في موطن آخر:
"وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعين، فقيل إنه جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي الفرج بن الجوزي وغيره.
وقيل إنه لا يجوز، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز وغيره، والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعين كالحجاج ابن يوسف وأمثاله، وأن يقول كما قال الله تعالى:{أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)([ii]).
وفيما يلي تفصيل لتلك الأقوال الثلاثة ومناقشة لها:
أما القول الأول: وهو قول مجيزي لعن المعين، ومن أشهرهم ابن الجوزي الذي شنع على من أنكره([iii]) فقد استدلوا بألفاظ النصوص العامة في لعن أصحاب بعض المعاصي كآكل الربا وشارب الخمر والسارق ونحوهم.
ويمكن أن يقعد لأصل استدلالهم بأن اللعن لما ورد عاماً في حق أصحاب بعض المعاصي، صح إطلاقه على أعيانهم، بما يقتضيه ظاهر أحوالهم، وإلا أصبح اللعن لا حقيقة له.
قالوا: وإنما لعن النبي صلى الله عليه وسلم من يستحق اللعن، فيستوي المعين وغيره([iv])، واللعن للفاسق هو من باب البغض في الله والبراءة منه والتعزير له([v]). ومن أدلتهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"([vi]). قالوا: ففي الحديث لعن معين من معصوم يشرع التأسي به([vii]). وربما استدلوا أيضاً بحديث: "العنوهن فإنهن ملعونات"، ولفظه من حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج، كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم"([viii]). قالوا: فهذا يدل على التعيين في اللعن.
كما استدلوا بما جاء عن بعض العلماء من لعن يزيد بن معاوية والحجاج وبعض الفرق... قال ابن الجوزي:
"وقد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر ما فعل يزيد"، وذكر الفعل العام كلعن الواصلة والنامصة وأمثاله..." ([ix]) وأجاب عما ورد عن الإمام أحمد من الإمساك عن لعن يزيد بأن ذلك يدل على اشتغال الإنسان بنفسه عن لعن غيره، وكما يقال في تقديم التسبيح على لعنة إبليس ([x]).
وأما القول الثاني: وهو قول من أجاز لعن بعض المعينين دون بعض تفريقاً بين أحوالهم، فقد اختلفوا في ذكر هذه الفروق ومنها ما يلي:
(1) أن لعن المعين جائز إذا لم يقم عليه الحد، أما إن أقيم عليه الحد فعلنه غير جائز([xi]).
(2) أن لعن المعين جائز، ما دام مقيماً على المعصية، أما إذا تاب فلا يجوز لعنه([xii]).
(3) أن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم عند عدم المنع أن ذلك العاصي مستحق لذلك، فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه([xiii]).
(4) أن المنع في حق ذي الزلة، والجواز مطلقاً في حق المجاهرين([xiv]).
وأما القول الثالث: وهو قول من منع من لعن الفاسق مطلقاً أو امتنع من ذلك وإن لم يصرح بتحريمه والنهي عنه، فهذا هو الذي عليه عامة العلماء.
قال ابن العربي المالكي: "فأما العاصي المعين، فلا يجوز لعنه اتفاقا"([xv]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته"([xvi]).
وقال الغزالي: "إن لعن فاسق بعينه غير جائز، وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر فليجتنب، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلاً فضلا عن غيره"([xvii]).
وقال النووي: "وأما المعين فلا يجوز لعنه"([xviii]). وسبق النقل عن شيخ الإسلام أن المعروف عن الإمام أحمد كراهة لعن المعين([xix])، وهذا ظاهر من كلامه حتى إنه لما ذم يزيد، قال لـه ابنه: أولا تلعنه؟ فقال: متى رأيت أباك لعانا([xx]). وفي رواية: "ومتى رأيتني ألعن شيئاً"([xxi]).
ولما سئل عن لعن يزيد بن معاوية قال: لا أتكلم في هذا. الإمساك أحب إلي([xxii])، وسأله ابنه صالح فقال: الرجل يذكر عنده الحجاج أو غيره فيلعنه؟ فقال: لا يعجبني لو عم([xxiii]). فقال: ألا لعنة الله على الظالمين([xxiv]). وهذا كله يدل على كراهة الإمام أحمد للعن المعين، وقد رد شيخ الإسلام على ابن الجوزي فهمه من كلام الإمام أحمد ما يدل على تجويزه لعن المعين([xxv]).
والمقصود أن المنع من لعن الفاسق المعين كراهة أو تحريماً([xxvi]) أو الامتناع من ذلك هو الذي عليه جمهور العلماء فيما يظهر وهذا هو الراجح؛ لما يلي:
أولاً: أنه الموافق لنصوص الشرع، وبه تجتمع الأدلة في تقرير جواز اللعن العام دون المعين، ومن أشهر أمثلته الدليل السابق في لعن شارب الخمر عموماً مع ما وقع من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن شارب الخمر المعين في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم:اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله"([xxvii]).
وفي رواية: "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم"([xxviii]).
قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على تبويب البخاري على هذا الحديث بقولـه: "ما يكره من لعن شارب الخمر" قال: وعبر بالكراهية هنا إشارة إلى أن النهي للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الإبعاد عن رحمة الله، فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن كهذا الذي يحب الله ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه([xxix])".
فدل على تحريم لعن المعين على إرادة المعنى الأصلي للعن.
ثانياً: أن اللعن العام كالوعيد العام، واللعن المعين كالوعيد المعين، فكما أنّا نقول بالوعيد العام الوارد في النصوص الشرعية على بعض المعاصي، فإنا لا نقطع على أحد بعينه بأن الوعيد لاحقه لجواز أن يغفر الله لـه، ولأن لحوق الوعيد متوقف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، وموانع لحوق الوعيد كثيرة، فكذلك اللعن، فإن تحقق لحوقه للشخص المعين متوقف على وجود شروطه وانتفاء موانعه. ومن موانعه ما جاء في الحديث السابق الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن شارب الخمر لأنه يحب الله ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر عموماً، ونهى عن لعنة المؤمن المعين.
كما أنا نقول ما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء:10)، فلا ينبغي لأحد أن يشهد لواحد بعينه أنه في النار لإمكان أن يتوب أو يغفر لـه الله بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة أو يعفو الله عنه، أو غير ذلك.
فهكذا الواحد من الملوك أو غير الملوك، وإن كان صدر منه ما هو ظلم فإن ذلك لا يوجب أن نلعنه ونشهد لـه بالنار، ومن دخل في ذلك كان من أهل البدع والضلال، فكيف إذا كان للرجل حسنات عظيمة يرجى له بها المغفرة مع ظلمه"([xxx]).
وقال في موطن آخر:
"فأما قول الله تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)، فهي آية عامة كآيات الوعيد بمنزلة قولـه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} )النساء:10(
وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح، إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة"([xxxi]).
ثالثاً: أن لعن الفاسق المعين إما أن يكون على سبيل الإخبار، أو يكون على سبيل الدعاء عليه أو السب والشتم، فإن كان على سبيل الإخبار فلا يجوز؛ لأن ما جاء في النصوص الشرعية من اللعن العام لبعض العصاة لا يلزم تحققه في كل فرد من أفرادهم لتوقف ذلك على وجود شروط وانتفاء موانع، ولأن بعض تلك الموانع مما قد يخفى علينا، فالحكم على شخص معين بلحوق اللعن به مجازفة ورجم بالغيب، وأما إن كان على سبيل الدعاء عليه فيمنع منه أيضاً وهذا ظاهر من حديث شارب الخمر السابق ذكره وفيه أن رجلاً قال: "اللهم العنه" وذلك صريح في الدعاء عليه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم معللاً بأنه يحب الله ورسوله، ومعلوم أن هذا الوصف موجود في كل مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معللاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدل ذلك على أنه يجوز أن يلعن المطلق ولا تجوز لعنة المعين الذي يحب الله ورسوله. ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله"([xxxii]).
وقال الحافظ ابن حجر: "يستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن"([xxxiii]).
وكذلك إن قصد من اللعن السب والشتم والتحقير فلا ينبغي؛ لأن ذلك من إعانة الشيطان على ذلك المسلم العاصي كما جاء في الحديث، ولأن ذلك قد يكون سبباً في تماديه في عصيانه أو قنوطه من رحمة مولاه، والأولى الدعاء لـه بالتوبة والمغفرة والبعد عن الغواية والمعصية([xxxiv]).
رابعاً: أن إجازة لعن كل من وقع في معصية جاء النص بلعن فاعلها يفتح الباب للعن كثير من المسلمين، ويروض الألسنة والأسماع على إلف هذا الخلق المشين، والذي ربما تسبب اعتياده وتفشيه وعدم النفور منه إلى لعن من ليس أهلاً، فيتسع التأويل في هذا الباب، ويكثر التساب والتشاتم والتلاعن بين المسلمين، الأمر الذي يتعارض مع مقاصد الإسلام في إفشاء التحابب والمودة والبعد عن أسباب الضغينة والقطيعة وسوء الظن.
قال شيخ الإسلام في معرض مناقشته لمن أجاز لعن يزيد بن معاوية بسبب ظلمه: "ونحن نعلم أن أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم، فإن فتح هذا الباب ساغ أن يُلعن أكثر موتى المسلمين. والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين ولم يأمر بلعنهم ... إلى أن قال – ولو كان كل ذنب لعن فاعله يلعن المعين الذي فعله للعن جمهور الناس. وهذا بمنزلة الوعيد المطلق، لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه وهكذا اللعن .. ([xxxv])".
خامساً: أن إطلاق المسلم لسانه بتعيين بعض إخوانه المسلمين باللعن يخرجه من عداد المؤمنين الذي ورد الثناء عليهم بابتعادهم عن الاتصاف بهذا الخلق القبيح وهو كثرة اللعن كما في الحديث "ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء([xxxvi])". كما يحرم من أن يكون شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة كما في الحديث "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة([xxxvii])"، ولذا كان التوجيه بالمنع من لعن المعين هو الأولى.
سادساً: أن ضرر لعن الفاسق المعين أكبر من نفعه، ومفسدته أكثر من مصلحته - على فرض أن فيه منفعة ومصلحة - فإن لعنه إن كان إخباراً فهذا لا يجوز – كما سبق تعليله – وإن كان دعاء فما المصلحة من طرده وإبعاده عن رحمة الله ومغفرته؟! وما الفائدة من سبه وشتمه؟!، وقد يكون من المبتلين الذين يجاهدون أنفسهم للابتعاد عن تلك المعصية.
أما إن كان مجاهراً أو معانداً فيمكن ذمه وعيبه بغير اللعن، كما يمكن التنفير عن فعله، والزجر والردع عن ارتكاب معصيتة بلعن فاعلها على سبيل العموم والوصف كما وردت به النصوص الشرعية([xxxviii])، وكما ورد عن بعض السلف في قولهم عند ذكر الحجاج {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود:18).
ويجوز الدعاء على كل من المستكبر والمعاند والمستخف بالمعصية بما يزجره ويجعله عظة لغيره كما في قصة الرجل الذي أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع قال: " لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، قال الراوي: فما رفعها إلى فيه([xxxix])، قال النووي:
"فيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر([xl])".
سابعاً: أن سبيل أئمة السلف الصالح وأهل الورع البعد عن التعيين في اللعن كما سبق النقل عن الإمام أحمد لما في التعيين من المخاطرة وعدم المصلحة، ولأن قصد لعن أحد بعينه ليس هو من أعمال الصالحين الأبرار([xli]).
ولهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية من قبل أحد المغول عن يزيد قال شيخ الإسلام "لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه. فقال المغولي: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين؟ قال شيخ الإسلام – فقلت لـه: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه، وقد لعن قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن([xlii])".
ثامناً: إن الذين أجازوا لعن المعين، غاية ما قرروا في ذلك الإباحة التي يقرر فيها فضيلة ترك فضول المباحات([xliii]) والاستغناء عنها بالمستحبات، كما قرر ابن الجوزي - وهو من أشهر مجيزي لعن المعين – أن اشتغال الإنسان بنفسه أولى من لعنه لغيره، كما أن تقديم التسبيح مقدم على لعنة إبليس فسلم ابن الجوزي أن ترك اللعن أولى([xliv]).
فتوجيه الناس لترك لعن المعينين - حتى على قول من أجاز ذلك – أولى من إشاعة القول بجواز اللعن وتسهيله عليهم، واشتغالهم به.
وبهذا يظهر أن المنع من لعن الفاسق المعين والنهي عن ذلك هو الراجح لما سبق من الأدلة والتعليلات.
أما أصحاب القول الأول الذين أجازوا لعن المعين فغاية ما استدلوا به النصوص العامة في لعن مرتكبي بعض المعاصي، وقد سبق التفريق بين اللعن بالوصف ولعن الشخص، واللعن العام واللعن المعين وأنه لا يلزم من إطلاق اللعن على سبيل العموم تحققه في جميع أفراده. نعم يقال كل من عمل هذه المعصية التي ورد لعن فاعلها فإنه مستحق للعن، مثل ما يقال: كل من فعل تلك المعصية التي ورد الوعيد لمرتكبها فإنه مستحق للعقاب والوعيد، ولكن لا يقطع على معين بنفوذ هذا الوعيد في حقه، لجواز تخلفه عنه لسبب من الأسباب، والتي منها مغفرة الله تعالى كما قال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48)
فكذلك اللعن لا يلزم من قام به سببه – من المسلمين – أن يقطع على شخصه بلحوقه به، لجواز تخلفه عنه لسبب من الأسباب، والتي منها محبة الله ورسوله كما في حديث شارب الخمر السابق ذكره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عموماً شارب الخمر، ونهى في الحديث الصحيح عن لعن هذا المعين. وهذا كما أن نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى، والزاني والسارق، فلا نشهد بها عامة على معين بأنه من أصحاب النار، لجواز تخلف المقتضي عن المقتضي لمعارض راجح. إما توبة، وإما حسنات ماحية وإما مصائب مكفرة، وإما شفاعة مقبولة، وإما غير ذلك.. ([xlv])".
وهذا يبين الفرق بين اللعن العام واللعن المعين، وأن اللعن العام له حقيقة، ولكن لا يلزم أن يلحق كل من توعد به.
وأيضاً فإن بغض الفاسق وتعزيره يمكن أن يتحقق بغير المخاطرة باللعن وإطلاق اللسان به لما في ذلك من المفاسد التي سبق ذكرها.
أما استدلالهم بحديث لعن المرأة الممتنعة عن فراش زوجها فلا دلالة فيه لما يلي:
(1) أن هذا الحديث يقال فيه ما يقال في سائر أحاديث اللعن الواردة على سبيل العموم واللعن بالأوصاف، دون التعيين وذكر الأشخاص.
(2) أن اللاعن هنا الملائكة ونحن لم نؤمر بالتأسي بهم في أفعالهم([xlvi])، ثم إن هذا اللعن من الملائكة قد يكون بوحي، فيكون لعنهم امرأة بعينها من قبيل لعن من ورد النص بلعنه بعينه، وهذا يختلف عن مسألتنا، وإذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال.
وأما استدلالهم بحديث "العنوهن فإنهن ملعونات" فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف كما سبقت الإشارة إلى ذلك فلا يصح الاحتجاج به.
الثاني: أن التوجيه في الحديث - على فرض صحته - منصب على لعن الكاسيات العاريات وهذا داخل في اللعن العام وليس فيه دليل على لعن كل من اتصفت بذلك بعينها.
أما أصحاب القول الثاني الذين أجازوا اللعن في بعض الأحوال دون بعض، فإن الفروق التي ذكروها ضعيفة لا دليل عليها.
فقولهم إن المنع من لعن المعين خاص بمن أقيم عليه الحد لا دليل عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن من جلد في شرب الخمر معللاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله. ولم يمنع لعنه لكونه قد جلد وأقيم عليه الحد، نعم إن من أقيم عليه الحد فإنه يمنع من عيبه والتثريب عليه([xlvii]) فضلاً عن لعنه وشتمه كما يدل عليه حديث "إذا زنت الأمة فتبين زناها، فليجلدها ولا يثرب.. ([xlviii])"، ولكن ليس في ذلك دليل على جواز لعن المعين قبل إقامة الحد عليه.
وأما القول بأن النهي عن لعن المعين خاص بمن تاب دون من لم يتب. فيقال فيه: إن من تاب فلا خلاف في تحريم لعنه حتى لو تاب من الكفر وإنما الكلام فيمن لم يتب من المعصية فهذا لا دليل على جواز لعنه بعينه.
وأما قولهم إن لعن المعين ينهى عنه إذا كان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم عند عدم المنع أن ذلك العاصي مستحق لذلك.
فهذا التعليل عليل، فإن الدعاء بلعن المعين لو كان جائزاً لكان إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له أدعى في زجره وردعه عن معصيته، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن شارب الخمر وعلق ذلك النهي بعلة يمكن أن تكون موجودة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيابه وهي كون ذلك العاصي يحب الله ورسوله.
وأما القول بأن المنع من لعن المعين خاص في حق ذي الزلة دون المجاهر فيرده حديث شارب الخمر السابق ذكره، فإن شربه لم يكن زلة بل كان كثيراً ما يؤتى به ويجلد، ومع ذلك فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه لكونه يحب الله ورسوله.
وقبل الانتهاء من هذا المبحث يحسن التنبيه إلى بعض المسائل:
المسألة الأولى:
جاء عن بعض السلف لعن لبعض المعينين من أعلام أهل البدع كلعن بعض السلف لبشر المريسي([xlix])، وجهم بن صفوان([l]) والجعد بن درهم([li]) وعمرو بن عبيد([lii]).
وهذا محمول على أحد أمرين:
(1) إما أن من جاء عنه لعن أحد منهم فلأنه يرى تكفيره لقيام الحجة عليه ويرى جواز لعن الكافر المعين.
(2) وإما أن يحمل ما جاء من لعن بعض السلف لبعض أعلام المبتدعة على إجازة بعضهم لعن المعين من دعاة الضلالة انتصاراً للدين، وتحذيراً للمسلمين، وإظهار لنقص هذا المعين وعيبه.
قال القاضي أبويعلي الحنبلي:
ولهذا فرق من فرق من الأصحاب بين لعنة الفاسق بالفعل، وبين دعاة أهل الضلال إما بناء على تكفيرهم، وإما بناء على أن ضررهم أشد، ومن جوز لعنة المبتدع المكفر معيناً فإنه يجوز لعنة الكافر المعين بطريق الأولى ومن لم يجوز أن يلعن إلا من ثبت لعنه بالنص فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين، فمن لم يجوز إلا لعن المنصوص يرى أنه لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصار، ولا على وجه الجهاد وإقامة الحدود، كالهجرة والتعزير والتحذير.
وهذا مقتضى حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو لأحد أو على أحد قنت بعد الركوع وقال فيه: "اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى نزلت "ليس لك من الأمر شيء.. ([liii])([liv])".
وعلى كل حال فهذا اللعن ورد عن بعض السلف وليس هو منهج عامة أئمتهم، ثم إن من ورد عنهم ذلك إنما قالوه في أشخاص معدودين كانوا أئمة في الضلالة، وبعضهم قد حكم بكفره، فلا يصح أن يحتج به على تجويزهم لعن الفاسق المعين بإطلاق، ولا على لعن كل من ابتدع بدعة في الدين.
المسألة الثانية:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة([lv])".
وهذه الرواية المطلقة ورد تقييدها في رواية أخرى بمن لا يكون أهلاً للعنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي، بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة([lvi])".
فإن قيل كيف يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على من ليس بأهل للدعاء عليه أو يسبه أو يلعنه؟.
فقد أجاب العلماء عن ذلك واختصره النووي بوجهين:
"أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب لـه، فيظهر لـه صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
والثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، كقولـه "تربت يمينك"، وعقري حلقي.. ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً، وإنما كان يقع هذا منه في النادر، والشاذ من الأزمان ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفسه .. ([lvii])".
المسألة الثالثة:
لم أقف على كلام لأحد من علماء السلف الصالح قال باستحباب لعن أحد بعينه لا من الكافرين، ولا من أئمة البدع الضالين، ولا من عامة المسلمين الفاسقين، بل غاية ما نقل عن بعضهم في ذلك الإباحة والجواز، كما سبق، مع تقريرهم بأن الاشتغال بالمستحبات أولى من صرف الأوقات بمثل ذلك من فضول المباحات.
المسألة الرابعة:
أن الذين أجازوا لعن المعين من المسلمين لا يرون منابذة هذا المعين منابذة الكافرين بحيث تترك الصلاة عليه ويترك الترحم عليه وتحبط حسناته، ويخلد في النار.. بل يرون أن اللعن نوع من الوعيد وسبب للعقاب، ومظهر للتعزير، فيجتمع فيه ذلك مع ما يكون من أسباب الرحمة والمغفرة من الحسنات والأعمال الصالحة ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن اللعنة لمن يعمل المعاصي مما يسوغ فيها الاجتهاد، وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات، بل لا يتنافا عندنا أن يجتمع في الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب، كذلك لا يتنافا أن يصلى عليه ويدعى لـه، وأن يلعن ويشتم أيضاً باعتبار وجهين، فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة - وإن دخلوا النار، أو استحقوا دخولها فإنهم – لا بد أن يدخلوا الجنة فيجتمع فيهم الثواب والعقاب، ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك، وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب، ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب.. ([lviii])".
وقال في موطن آخر:
"ومن جوز من أهل السنة والجماعة لعنة الفاسق المعين فإنه يقول يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاق الثواب، واللعنة له لاستحقاق العقاب، واللعنة البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيرحم من وجه، ويبعد عنها من وجه.
وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة، ومن يدخل فيهم من الكرامية والمرجئة والشيعة، ومذهب كثير من الشيعة الإمامية وغيرهم الذين يقولون إن الفاسق لا يخلد في النار.
وأما من يقول بتخليده في النار كالخوارج والمعتزلة وبعض الشيعة فهؤلاء عندهم لا يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب([lix])".
الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله وبعد،،،
فلقد تبين من خلال هذا البحث خطورة اللعن، ومباعدة اللعانين عن مقام الشفعاء والشهداء والصديقين، وأن منهج السلف الورعين ترك التعيين باللعن لأشخاص الأحياء الكافرين، ولعصاة المسلمين لما في ذلك من المجازفة، ولعدم العلم بالعاقبة، ولما في إشاعة اللعن بين المسلمين من تسبب في تصديع حبال المودة والألفة، وإشاعة التشاحن والتضاغن والسب والتشاتم، الأمر الذي يتنافى مع مقاصد الإسلام في السعي لجعل المجتمع جسداً واحداً تسوده المحبة والرحمة، وبنياناً مرصوصاً، وحصناً حصيناً، ضد عوامل الفرقة وفساد ذات البين، التي من أسبابها التلاعن والشتائم.
كما تبين في ثنايا هذا البحث ضعف حجج المجيزين للعن المعين من عصاة الموحدين، وظهرت قوة أدلة المانعين وتوافقها مع مقاصد الإسلام وقواعده العظام.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والهداية للصواب والتوفيق للسداد إنه خير مسؤول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،
الهوامش:
([i]) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/351).
([ii]) منهاج السنة (4/569).
([iii]) انظر الآداب الشرعية (1/346، 353).
([iv]) انظر فتح الباري (12/89).
([v]) انظر الآداب الشرعية (1/353).
([vi]) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين.. برقم (3237)، ورواه مسلم في كتاب النكاح برقم (3541).
([vii]) انظر فتح الباري (12/90).
([viii]) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/223) وقال محققوه إسناد ضعيف، انظر المسند (11/654) نشر دار الرسالة كما رواه الحاكم في مستدركه (4/436) وصححه وتعقبه الذهبي بتضعيفه.
([ix]) انظر الآداب الشرعية (1/347).
([x]) انظر الآداب الشرعية(1/347).
([xi]) انظر تفسير القرطبي (2/186)، شرح مسلم للنووي (11/334).
([xii]) انظر تفسير القرطبي (2/186).
([xiii]) انظر فتح الباري (12/89).
([xiv]) انظر فتح الباري (12/89).
([xv]) أحكام القرآن (1/75).
([xvi]) مجموع الفتاوى (6/511).
([xvii]) إحياء علوم الدين (3/113).
([xviii]) شرح مسلم للنووي (11/334).
([xix]) انظر منهاج السنة (4/569).
([xx]) انظر الآداب الشرعية (1/346).
([xxi]) الآداب الشرعية (1/352).
([xxii]) انظر السنة للخلال (3/521).
([xxiii]) في السنة للخلال "لو عبر" والتصحيح من الآداب الشرعية (3/349).
([xxiv]) السنة للخلال (3/523).
([xxv]) انظر الآداب الشرعية (1/346-347).
([xxvi]) انظر الآداب الشرعية (1/351).
([xxvii]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة برقم (6780).
([xxviii]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة برقم (6781).
([xxix]) فتح الباري (12/89).
([xxx]) مجموع الفتاوي (4/474).
([xxxi]) منهاج السنة (4/571).
([xxxii]) منهاج السنة (4/570).
([xxxiii]) فتح الباري (12/79).
([xxxiv]) انظر فتح الباري (12/89-90).
([xxxv]) منهاج السنة 4/572-574 باختصار.
([xxxvi]) سبق تخريجه.
([xxxvii]) سبق تخريجه.
([xxxviii]) انظر فتح الباري (12/90).
([xxxix]) رواه مسلم في كتاب الأشرية برقم: 5268.
([xl]) شرح صحيح مسلم للنووي (13/167).
([xli]) انظر مجموع الفتاوي (4/474).
([xlii]) مجموع الفتاوي (4/487).
([xliii]) انظر مجموع الفتاوي (4/484).
([xliv]) انظر الآداب الشرعية (1/347).
([xlv]) مجموع الفتاوي (4/484)، وانظر (35/67، 10/329-330).
([xlvi]) انظر فتح الباري (12/90).
([xlvii]) انظر فتح الباري (12/202).
([xlviii]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب لا يثرب على الأمة إذا زنت برقم (6839)، ومسلم في كتاب الحدود برقم: (4444).
([xlix]) انظر السنة لعبدالله بن الإمام أحمد (1/122-169-170) برقم (52-195-198-200)، اللالكائي (2/382).
([l]) انظر السنة لعبدالله بن الإمام أحمد (1/103-104)، برقم (7)، و(1/167) برقم: (189)، خلق أفعال العباد للبخاري ص124، والإبانة لابن بطة (2/84).
([li]) انظر اللالكائي (2/382).
([lii]) انظر ذم الكلام للهروي ص208.
([liii]) رواه البخاري في كتاب التفسير، باب "ليس لك من الأمر شيء" برقم (456).
([liv]) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/353).
([lv]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6616).
([lvi]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6627).
([lvii]) شرح مسلم للنووي (16/116-117) وانظر الآداب الشرعية (3/354).
([lviii]) مجموع الفتاوي (4/486).
([lix]) منهاج السنة (4/570-571).
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/center/studies/4912.html#ixzz20XAOAwGg
فإن لعن عصاة المسلمين؛ من المسائل التي تخفى على كثير من المسلمين؛ وقد حرر العلماء بأن اللعن لا يكون إلا على جهة الاطلاق، أما على جهة التعيين؛ فهو وإن حصل فيه خلاف بين أهل العلم فالراجح من أقوالهم التي تعضدها الأدلة هو حرمة لعن المعين من عصاة المسلمين.
وكل هذا نستدل منه على حرمة أعراض المسلمين فكيف بدمائهم التي خاض فيها من لا يتق فيهم رباً ولا ديناً ولا عرفاً.
وهذا البحث الذي بين أيدينا هو خلاصة تلك المسألة المشار إليها آنفاً، كتبها الأستاذ الدكتور: سليمان الغصن حفظه الله وسدده، ومما قاله في ذلك:
اختلف العلماء - رحمهم الله - في حكم لعن المعين من فساق المسلمين على ثلاثة أقوال:
فمنهم من أجازه بإطلاق.
ومنهم من أجازه في بعض الأحوال.
ومنهم من منعه بإطلاق أو امتنع منه وإن لم يصرح بتحريمه.
قال شيخ الإسلام: "فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال:
أحدها: المنع عموماً وتعييناً إلا برواية النص.
والثاني: إجازتها.
والثالث: التفريق وهو المنصوص"([i]). ويقصد بالتفريق أي إجازة اللعن على سبيل العموم ومنعه على سبيل التعيين.
وقال في موطن آخر:
"وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعين، فقيل إنه جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي الفرج بن الجوزي وغيره.
وقيل إنه لا يجوز، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز وغيره، والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعين كالحجاج ابن يوسف وأمثاله، وأن يقول كما قال الله تعالى:{أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)([ii]).
وفيما يلي تفصيل لتلك الأقوال الثلاثة ومناقشة لها:
أما القول الأول: وهو قول مجيزي لعن المعين، ومن أشهرهم ابن الجوزي الذي شنع على من أنكره([iii]) فقد استدلوا بألفاظ النصوص العامة في لعن أصحاب بعض المعاصي كآكل الربا وشارب الخمر والسارق ونحوهم.
ويمكن أن يقعد لأصل استدلالهم بأن اللعن لما ورد عاماً في حق أصحاب بعض المعاصي، صح إطلاقه على أعيانهم، بما يقتضيه ظاهر أحوالهم، وإلا أصبح اللعن لا حقيقة له.
قالوا: وإنما لعن النبي صلى الله عليه وسلم من يستحق اللعن، فيستوي المعين وغيره([iv])، واللعن للفاسق هو من باب البغض في الله والبراءة منه والتعزير له([v]). ومن أدلتهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"([vi]). قالوا: ففي الحديث لعن معين من معصوم يشرع التأسي به([vii]). وربما استدلوا أيضاً بحديث: "العنوهن فإنهن ملعونات"، ولفظه من حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج، كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم"([viii]). قالوا: فهذا يدل على التعيين في اللعن.
كما استدلوا بما جاء عن بعض العلماء من لعن يزيد بن معاوية والحجاج وبعض الفرق... قال ابن الجوزي:
"وقد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر ما فعل يزيد"، وذكر الفعل العام كلعن الواصلة والنامصة وأمثاله..." ([ix]) وأجاب عما ورد عن الإمام أحمد من الإمساك عن لعن يزيد بأن ذلك يدل على اشتغال الإنسان بنفسه عن لعن غيره، وكما يقال في تقديم التسبيح على لعنة إبليس ([x]).
وأما القول الثاني: وهو قول من أجاز لعن بعض المعينين دون بعض تفريقاً بين أحوالهم، فقد اختلفوا في ذكر هذه الفروق ومنها ما يلي:
(1) أن لعن المعين جائز إذا لم يقم عليه الحد، أما إن أقيم عليه الحد فعلنه غير جائز([xi]).
(2) أن لعن المعين جائز، ما دام مقيماً على المعصية، أما إذا تاب فلا يجوز لعنه([xii]).
(3) أن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم عند عدم المنع أن ذلك العاصي مستحق لذلك، فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه([xiii]).
(4) أن المنع في حق ذي الزلة، والجواز مطلقاً في حق المجاهرين([xiv]).
وأما القول الثالث: وهو قول من منع من لعن الفاسق مطلقاً أو امتنع من ذلك وإن لم يصرح بتحريمه والنهي عنه، فهذا هو الذي عليه عامة العلماء.
قال ابن العربي المالكي: "فأما العاصي المعين، فلا يجوز لعنه اتفاقا"([xv]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته"([xvi]).
وقال الغزالي: "إن لعن فاسق بعينه غير جائز، وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر فليجتنب، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلاً فضلا عن غيره"([xvii]).
وقال النووي: "وأما المعين فلا يجوز لعنه"([xviii]). وسبق النقل عن شيخ الإسلام أن المعروف عن الإمام أحمد كراهة لعن المعين([xix])، وهذا ظاهر من كلامه حتى إنه لما ذم يزيد، قال لـه ابنه: أولا تلعنه؟ فقال: متى رأيت أباك لعانا([xx]). وفي رواية: "ومتى رأيتني ألعن شيئاً"([xxi]).
ولما سئل عن لعن يزيد بن معاوية قال: لا أتكلم في هذا. الإمساك أحب إلي([xxii])، وسأله ابنه صالح فقال: الرجل يذكر عنده الحجاج أو غيره فيلعنه؟ فقال: لا يعجبني لو عم([xxiii]). فقال: ألا لعنة الله على الظالمين([xxiv]). وهذا كله يدل على كراهة الإمام أحمد للعن المعين، وقد رد شيخ الإسلام على ابن الجوزي فهمه من كلام الإمام أحمد ما يدل على تجويزه لعن المعين([xxv]).
والمقصود أن المنع من لعن الفاسق المعين كراهة أو تحريماً([xxvi]) أو الامتناع من ذلك هو الذي عليه جمهور العلماء فيما يظهر وهذا هو الراجح؛ لما يلي:
أولاً: أنه الموافق لنصوص الشرع، وبه تجتمع الأدلة في تقرير جواز اللعن العام دون المعين، ومن أشهر أمثلته الدليل السابق في لعن شارب الخمر عموماً مع ما وقع من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن شارب الخمر المعين في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم:اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله"([xxvii]).
وفي رواية: "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم"([xxviii]).
قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على تبويب البخاري على هذا الحديث بقولـه: "ما يكره من لعن شارب الخمر" قال: وعبر بالكراهية هنا إشارة إلى أن النهي للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الإبعاد عن رحمة الله، فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن كهذا الذي يحب الله ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه([xxix])".
فدل على تحريم لعن المعين على إرادة المعنى الأصلي للعن.
ثانياً: أن اللعن العام كالوعيد العام، واللعن المعين كالوعيد المعين، فكما أنّا نقول بالوعيد العام الوارد في النصوص الشرعية على بعض المعاصي، فإنا لا نقطع على أحد بعينه بأن الوعيد لاحقه لجواز أن يغفر الله لـه، ولأن لحوق الوعيد متوقف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، وموانع لحوق الوعيد كثيرة، فكذلك اللعن، فإن تحقق لحوقه للشخص المعين متوقف على وجود شروطه وانتفاء موانعه. ومن موانعه ما جاء في الحديث السابق الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن شارب الخمر لأنه يحب الله ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر عموماً، ونهى عن لعنة المؤمن المعين.
كما أنا نقول ما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء:10)، فلا ينبغي لأحد أن يشهد لواحد بعينه أنه في النار لإمكان أن يتوب أو يغفر لـه الله بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة أو يعفو الله عنه، أو غير ذلك.
فهكذا الواحد من الملوك أو غير الملوك، وإن كان صدر منه ما هو ظلم فإن ذلك لا يوجب أن نلعنه ونشهد لـه بالنار، ومن دخل في ذلك كان من أهل البدع والضلال، فكيف إذا كان للرجل حسنات عظيمة يرجى له بها المغفرة مع ظلمه"([xxx]).
وقال في موطن آخر:
"فأما قول الله تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)، فهي آية عامة كآيات الوعيد بمنزلة قولـه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} )النساء:10(
وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح، إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة"([xxxi]).
ثالثاً: أن لعن الفاسق المعين إما أن يكون على سبيل الإخبار، أو يكون على سبيل الدعاء عليه أو السب والشتم، فإن كان على سبيل الإخبار فلا يجوز؛ لأن ما جاء في النصوص الشرعية من اللعن العام لبعض العصاة لا يلزم تحققه في كل فرد من أفرادهم لتوقف ذلك على وجود شروط وانتفاء موانع، ولأن بعض تلك الموانع مما قد يخفى علينا، فالحكم على شخص معين بلحوق اللعن به مجازفة ورجم بالغيب، وأما إن كان على سبيل الدعاء عليه فيمنع منه أيضاً وهذا ظاهر من حديث شارب الخمر السابق ذكره وفيه أن رجلاً قال: "اللهم العنه" وذلك صريح في الدعاء عليه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم معللاً بأنه يحب الله ورسوله، ومعلوم أن هذا الوصف موجود في كل مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معللاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدل ذلك على أنه يجوز أن يلعن المطلق ولا تجوز لعنة المعين الذي يحب الله ورسوله. ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله"([xxxii]).
وقال الحافظ ابن حجر: "يستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن"([xxxiii]).
وكذلك إن قصد من اللعن السب والشتم والتحقير فلا ينبغي؛ لأن ذلك من إعانة الشيطان على ذلك المسلم العاصي كما جاء في الحديث، ولأن ذلك قد يكون سبباً في تماديه في عصيانه أو قنوطه من رحمة مولاه، والأولى الدعاء لـه بالتوبة والمغفرة والبعد عن الغواية والمعصية([xxxiv]).
رابعاً: أن إجازة لعن كل من وقع في معصية جاء النص بلعن فاعلها يفتح الباب للعن كثير من المسلمين، ويروض الألسنة والأسماع على إلف هذا الخلق المشين، والذي ربما تسبب اعتياده وتفشيه وعدم النفور منه إلى لعن من ليس أهلاً، فيتسع التأويل في هذا الباب، ويكثر التساب والتشاتم والتلاعن بين المسلمين، الأمر الذي يتعارض مع مقاصد الإسلام في إفشاء التحابب والمودة والبعد عن أسباب الضغينة والقطيعة وسوء الظن.
قال شيخ الإسلام في معرض مناقشته لمن أجاز لعن يزيد بن معاوية بسبب ظلمه: "ونحن نعلم أن أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم، فإن فتح هذا الباب ساغ أن يُلعن أكثر موتى المسلمين. والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين ولم يأمر بلعنهم ... إلى أن قال – ولو كان كل ذنب لعن فاعله يلعن المعين الذي فعله للعن جمهور الناس. وهذا بمنزلة الوعيد المطلق، لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه وهكذا اللعن .. ([xxxv])".
خامساً: أن إطلاق المسلم لسانه بتعيين بعض إخوانه المسلمين باللعن يخرجه من عداد المؤمنين الذي ورد الثناء عليهم بابتعادهم عن الاتصاف بهذا الخلق القبيح وهو كثرة اللعن كما في الحديث "ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء([xxxvi])". كما يحرم من أن يكون شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة كما في الحديث "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة([xxxvii])"، ولذا كان التوجيه بالمنع من لعن المعين هو الأولى.
سادساً: أن ضرر لعن الفاسق المعين أكبر من نفعه، ومفسدته أكثر من مصلحته - على فرض أن فيه منفعة ومصلحة - فإن لعنه إن كان إخباراً فهذا لا يجوز – كما سبق تعليله – وإن كان دعاء فما المصلحة من طرده وإبعاده عن رحمة الله ومغفرته؟! وما الفائدة من سبه وشتمه؟!، وقد يكون من المبتلين الذين يجاهدون أنفسهم للابتعاد عن تلك المعصية.
أما إن كان مجاهراً أو معانداً فيمكن ذمه وعيبه بغير اللعن، كما يمكن التنفير عن فعله، والزجر والردع عن ارتكاب معصيتة بلعن فاعلها على سبيل العموم والوصف كما وردت به النصوص الشرعية([xxxviii])، وكما ورد عن بعض السلف في قولهم عند ذكر الحجاج {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود:18).
ويجوز الدعاء على كل من المستكبر والمعاند والمستخف بالمعصية بما يزجره ويجعله عظة لغيره كما في قصة الرجل الذي أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع قال: " لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، قال الراوي: فما رفعها إلى فيه([xxxix])، قال النووي:
"فيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر([xl])".
سابعاً: أن سبيل أئمة السلف الصالح وأهل الورع البعد عن التعيين في اللعن كما سبق النقل عن الإمام أحمد لما في التعيين من المخاطرة وعدم المصلحة، ولأن قصد لعن أحد بعينه ليس هو من أعمال الصالحين الأبرار([xli]).
ولهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية من قبل أحد المغول عن يزيد قال شيخ الإسلام "لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه. فقال المغولي: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين؟ قال شيخ الإسلام – فقلت لـه: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه، وقد لعن قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن([xlii])".
ثامناً: إن الذين أجازوا لعن المعين، غاية ما قرروا في ذلك الإباحة التي يقرر فيها فضيلة ترك فضول المباحات([xliii]) والاستغناء عنها بالمستحبات، كما قرر ابن الجوزي - وهو من أشهر مجيزي لعن المعين – أن اشتغال الإنسان بنفسه أولى من لعنه لغيره، كما أن تقديم التسبيح مقدم على لعنة إبليس فسلم ابن الجوزي أن ترك اللعن أولى([xliv]).
فتوجيه الناس لترك لعن المعينين - حتى على قول من أجاز ذلك – أولى من إشاعة القول بجواز اللعن وتسهيله عليهم، واشتغالهم به.
وبهذا يظهر أن المنع من لعن الفاسق المعين والنهي عن ذلك هو الراجح لما سبق من الأدلة والتعليلات.
أما أصحاب القول الأول الذين أجازوا لعن المعين فغاية ما استدلوا به النصوص العامة في لعن مرتكبي بعض المعاصي، وقد سبق التفريق بين اللعن بالوصف ولعن الشخص، واللعن العام واللعن المعين وأنه لا يلزم من إطلاق اللعن على سبيل العموم تحققه في جميع أفراده. نعم يقال كل من عمل هذه المعصية التي ورد لعن فاعلها فإنه مستحق للعن، مثل ما يقال: كل من فعل تلك المعصية التي ورد الوعيد لمرتكبها فإنه مستحق للعقاب والوعيد، ولكن لا يقطع على معين بنفوذ هذا الوعيد في حقه، لجواز تخلفه عنه لسبب من الأسباب، والتي منها مغفرة الله تعالى كما قال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48)
فكذلك اللعن لا يلزم من قام به سببه – من المسلمين – أن يقطع على شخصه بلحوقه به، لجواز تخلفه عنه لسبب من الأسباب، والتي منها محبة الله ورسوله كما في حديث شارب الخمر السابق ذكره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عموماً شارب الخمر، ونهى في الحديث الصحيح عن لعن هذا المعين. وهذا كما أن نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى، والزاني والسارق، فلا نشهد بها عامة على معين بأنه من أصحاب النار، لجواز تخلف المقتضي عن المقتضي لمعارض راجح. إما توبة، وإما حسنات ماحية وإما مصائب مكفرة، وإما شفاعة مقبولة، وإما غير ذلك.. ([xlv])".
وهذا يبين الفرق بين اللعن العام واللعن المعين، وأن اللعن العام له حقيقة، ولكن لا يلزم أن يلحق كل من توعد به.
وأيضاً فإن بغض الفاسق وتعزيره يمكن أن يتحقق بغير المخاطرة باللعن وإطلاق اللسان به لما في ذلك من المفاسد التي سبق ذكرها.
أما استدلالهم بحديث لعن المرأة الممتنعة عن فراش زوجها فلا دلالة فيه لما يلي:
(1) أن هذا الحديث يقال فيه ما يقال في سائر أحاديث اللعن الواردة على سبيل العموم واللعن بالأوصاف، دون التعيين وذكر الأشخاص.
(2) أن اللاعن هنا الملائكة ونحن لم نؤمر بالتأسي بهم في أفعالهم([xlvi])، ثم إن هذا اللعن من الملائكة قد يكون بوحي، فيكون لعنهم امرأة بعينها من قبيل لعن من ورد النص بلعنه بعينه، وهذا يختلف عن مسألتنا، وإذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال.
وأما استدلالهم بحديث "العنوهن فإنهن ملعونات" فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف كما سبقت الإشارة إلى ذلك فلا يصح الاحتجاج به.
الثاني: أن التوجيه في الحديث - على فرض صحته - منصب على لعن الكاسيات العاريات وهذا داخل في اللعن العام وليس فيه دليل على لعن كل من اتصفت بذلك بعينها.
أما أصحاب القول الثاني الذين أجازوا اللعن في بعض الأحوال دون بعض، فإن الفروق التي ذكروها ضعيفة لا دليل عليها.
فقولهم إن المنع من لعن المعين خاص بمن أقيم عليه الحد لا دليل عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن من جلد في شرب الخمر معللاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله. ولم يمنع لعنه لكونه قد جلد وأقيم عليه الحد، نعم إن من أقيم عليه الحد فإنه يمنع من عيبه والتثريب عليه([xlvii]) فضلاً عن لعنه وشتمه كما يدل عليه حديث "إذا زنت الأمة فتبين زناها، فليجلدها ولا يثرب.. ([xlviii])"، ولكن ليس في ذلك دليل على جواز لعن المعين قبل إقامة الحد عليه.
وأما القول بأن النهي عن لعن المعين خاص بمن تاب دون من لم يتب. فيقال فيه: إن من تاب فلا خلاف في تحريم لعنه حتى لو تاب من الكفر وإنما الكلام فيمن لم يتب من المعصية فهذا لا دليل على جواز لعنه بعينه.
وأما قولهم إن لعن المعين ينهى عنه إذا كان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم عند عدم المنع أن ذلك العاصي مستحق لذلك.
فهذا التعليل عليل، فإن الدعاء بلعن المعين لو كان جائزاً لكان إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له أدعى في زجره وردعه عن معصيته، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن شارب الخمر وعلق ذلك النهي بعلة يمكن أن تكون موجودة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيابه وهي كون ذلك العاصي يحب الله ورسوله.
وأما القول بأن المنع من لعن المعين خاص في حق ذي الزلة دون المجاهر فيرده حديث شارب الخمر السابق ذكره، فإن شربه لم يكن زلة بل كان كثيراً ما يؤتى به ويجلد، ومع ذلك فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه لكونه يحب الله ورسوله.
وقبل الانتهاء من هذا المبحث يحسن التنبيه إلى بعض المسائل:
المسألة الأولى:
جاء عن بعض السلف لعن لبعض المعينين من أعلام أهل البدع كلعن بعض السلف لبشر المريسي([xlix])، وجهم بن صفوان([l]) والجعد بن درهم([li]) وعمرو بن عبيد([lii]).
وهذا محمول على أحد أمرين:
(1) إما أن من جاء عنه لعن أحد منهم فلأنه يرى تكفيره لقيام الحجة عليه ويرى جواز لعن الكافر المعين.
(2) وإما أن يحمل ما جاء من لعن بعض السلف لبعض أعلام المبتدعة على إجازة بعضهم لعن المعين من دعاة الضلالة انتصاراً للدين، وتحذيراً للمسلمين، وإظهار لنقص هذا المعين وعيبه.
قال القاضي أبويعلي الحنبلي:
ولهذا فرق من فرق من الأصحاب بين لعنة الفاسق بالفعل، وبين دعاة أهل الضلال إما بناء على تكفيرهم، وإما بناء على أن ضررهم أشد، ومن جوز لعنة المبتدع المكفر معيناً فإنه يجوز لعنة الكافر المعين بطريق الأولى ومن لم يجوز أن يلعن إلا من ثبت لعنه بالنص فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين، فمن لم يجوز إلا لعن المنصوص يرى أنه لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصار، ولا على وجه الجهاد وإقامة الحدود، كالهجرة والتعزير والتحذير.
وهذا مقتضى حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو لأحد أو على أحد قنت بعد الركوع وقال فيه: "اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى نزلت "ليس لك من الأمر شيء.. ([liii])([liv])".
وعلى كل حال فهذا اللعن ورد عن بعض السلف وليس هو منهج عامة أئمتهم، ثم إن من ورد عنهم ذلك إنما قالوه في أشخاص معدودين كانوا أئمة في الضلالة، وبعضهم قد حكم بكفره، فلا يصح أن يحتج به على تجويزهم لعن الفاسق المعين بإطلاق، ولا على لعن كل من ابتدع بدعة في الدين.
المسألة الثانية:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة([lv])".
وهذه الرواية المطلقة ورد تقييدها في رواية أخرى بمن لا يكون أهلاً للعنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي، بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة([lvi])".
فإن قيل كيف يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على من ليس بأهل للدعاء عليه أو يسبه أو يلعنه؟.
فقد أجاب العلماء عن ذلك واختصره النووي بوجهين:
"أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب لـه، فيظهر لـه صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
والثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، كقولـه "تربت يمينك"، وعقري حلقي.. ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً، وإنما كان يقع هذا منه في النادر، والشاذ من الأزمان ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفسه .. ([lvii])".
المسألة الثالثة:
لم أقف على كلام لأحد من علماء السلف الصالح قال باستحباب لعن أحد بعينه لا من الكافرين، ولا من أئمة البدع الضالين، ولا من عامة المسلمين الفاسقين، بل غاية ما نقل عن بعضهم في ذلك الإباحة والجواز، كما سبق، مع تقريرهم بأن الاشتغال بالمستحبات أولى من صرف الأوقات بمثل ذلك من فضول المباحات.
المسألة الرابعة:
أن الذين أجازوا لعن المعين من المسلمين لا يرون منابذة هذا المعين منابذة الكافرين بحيث تترك الصلاة عليه ويترك الترحم عليه وتحبط حسناته، ويخلد في النار.. بل يرون أن اللعن نوع من الوعيد وسبب للعقاب، ومظهر للتعزير، فيجتمع فيه ذلك مع ما يكون من أسباب الرحمة والمغفرة من الحسنات والأعمال الصالحة ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن اللعنة لمن يعمل المعاصي مما يسوغ فيها الاجتهاد، وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات، بل لا يتنافا عندنا أن يجتمع في الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب، كذلك لا يتنافا أن يصلى عليه ويدعى لـه، وأن يلعن ويشتم أيضاً باعتبار وجهين، فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة - وإن دخلوا النار، أو استحقوا دخولها فإنهم – لا بد أن يدخلوا الجنة فيجتمع فيهم الثواب والعقاب، ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك، وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب، ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب.. ([lviii])".
وقال في موطن آخر:
"ومن جوز من أهل السنة والجماعة لعنة الفاسق المعين فإنه يقول يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاق الثواب، واللعنة له لاستحقاق العقاب، واللعنة البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيرحم من وجه، ويبعد عنها من وجه.
وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة، ومن يدخل فيهم من الكرامية والمرجئة والشيعة، ومذهب كثير من الشيعة الإمامية وغيرهم الذين يقولون إن الفاسق لا يخلد في النار.
وأما من يقول بتخليده في النار كالخوارج والمعتزلة وبعض الشيعة فهؤلاء عندهم لا يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب([lix])".
الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله وبعد،،،
فلقد تبين من خلال هذا البحث خطورة اللعن، ومباعدة اللعانين عن مقام الشفعاء والشهداء والصديقين، وأن منهج السلف الورعين ترك التعيين باللعن لأشخاص الأحياء الكافرين، ولعصاة المسلمين لما في ذلك من المجازفة، ولعدم العلم بالعاقبة، ولما في إشاعة اللعن بين المسلمين من تسبب في تصديع حبال المودة والألفة، وإشاعة التشاحن والتضاغن والسب والتشاتم، الأمر الذي يتنافى مع مقاصد الإسلام في السعي لجعل المجتمع جسداً واحداً تسوده المحبة والرحمة، وبنياناً مرصوصاً، وحصناً حصيناً، ضد عوامل الفرقة وفساد ذات البين، التي من أسبابها التلاعن والشتائم.
كما تبين في ثنايا هذا البحث ضعف حجج المجيزين للعن المعين من عصاة الموحدين، وظهرت قوة أدلة المانعين وتوافقها مع مقاصد الإسلام وقواعده العظام.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والهداية للصواب والتوفيق للسداد إنه خير مسؤول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،
الهوامش:
([i]) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/351).
([ii]) منهاج السنة (4/569).
([iii]) انظر الآداب الشرعية (1/346، 353).
([iv]) انظر فتح الباري (12/89).
([v]) انظر الآداب الشرعية (1/353).
([vi]) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين.. برقم (3237)، ورواه مسلم في كتاب النكاح برقم (3541).
([vii]) انظر فتح الباري (12/90).
([viii]) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/223) وقال محققوه إسناد ضعيف، انظر المسند (11/654) نشر دار الرسالة كما رواه الحاكم في مستدركه (4/436) وصححه وتعقبه الذهبي بتضعيفه.
([ix]) انظر الآداب الشرعية (1/347).
([x]) انظر الآداب الشرعية(1/347).
([xi]) انظر تفسير القرطبي (2/186)، شرح مسلم للنووي (11/334).
([xii]) انظر تفسير القرطبي (2/186).
([xiii]) انظر فتح الباري (12/89).
([xiv]) انظر فتح الباري (12/89).
([xv]) أحكام القرآن (1/75).
([xvi]) مجموع الفتاوى (6/511).
([xvii]) إحياء علوم الدين (3/113).
([xviii]) شرح مسلم للنووي (11/334).
([xix]) انظر منهاج السنة (4/569).
([xx]) انظر الآداب الشرعية (1/346).
([xxi]) الآداب الشرعية (1/352).
([xxii]) انظر السنة للخلال (3/521).
([xxiii]) في السنة للخلال "لو عبر" والتصحيح من الآداب الشرعية (3/349).
([xxiv]) السنة للخلال (3/523).
([xxv]) انظر الآداب الشرعية (1/346-347).
([xxvi]) انظر الآداب الشرعية (1/351).
([xxvii]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة برقم (6780).
([xxviii]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة برقم (6781).
([xxix]) فتح الباري (12/89).
([xxx]) مجموع الفتاوي (4/474).
([xxxi]) منهاج السنة (4/571).
([xxxii]) منهاج السنة (4/570).
([xxxiii]) فتح الباري (12/79).
([xxxiv]) انظر فتح الباري (12/89-90).
([xxxv]) منهاج السنة 4/572-574 باختصار.
([xxxvi]) سبق تخريجه.
([xxxvii]) سبق تخريجه.
([xxxviii]) انظر فتح الباري (12/90).
([xxxix]) رواه مسلم في كتاب الأشرية برقم: 5268.
([xl]) شرح صحيح مسلم للنووي (13/167).
([xli]) انظر مجموع الفتاوي (4/474).
([xlii]) مجموع الفتاوي (4/487).
([xliii]) انظر مجموع الفتاوي (4/484).
([xliv]) انظر الآداب الشرعية (1/347).
([xlv]) مجموع الفتاوي (4/484)، وانظر (35/67، 10/329-330).
([xlvi]) انظر فتح الباري (12/90).
([xlvii]) انظر فتح الباري (12/202).
([xlviii]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب لا يثرب على الأمة إذا زنت برقم (6839)، ومسلم في كتاب الحدود برقم: (4444).
([xlix]) انظر السنة لعبدالله بن الإمام أحمد (1/122-169-170) برقم (52-195-198-200)، اللالكائي (2/382).
([l]) انظر السنة لعبدالله بن الإمام أحمد (1/103-104)، برقم (7)، و(1/167) برقم: (189)، خلق أفعال العباد للبخاري ص124، والإبانة لابن بطة (2/84).
([li]) انظر اللالكائي (2/382).
([lii]) انظر ذم الكلام للهروي ص208.
([liii]) رواه البخاري في كتاب التفسير، باب "ليس لك من الأمر شيء" برقم (456).
([liv]) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/353).
([lv]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6616).
([lvi]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6627).
([lvii]) شرح مسلم للنووي (16/116-117) وانظر الآداب الشرعية (3/354).
([lviii]) مجموع الفتاوي (4/486).
([lix]) منهاج السنة (4/570-571).
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/center/studies/4912.html#ixzz20XAOAwGg
0 comments:
إرسال تعليق